فصل: أصول الدعوة إلى الله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.تقرير وجوب الدعوة إلى الله:

1- قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [108]} [يوسف: 108].
فهذا النص عام مطلق في الزمان ليلاً ونهاراً.. ومطلق في المكان شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.. ومطلق في الجنس العرب والعجم.. ومطلق في النوع الرجال والنساء.. ومطلق في السن الكبار والصغار.. ومطلق في اللون الأبيض والأسود.. ومطلق في الطبقات السادة والعبيد، والأغنياء والفقراء.
2- قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [52]} [إبراهيم: 52].
فالدعوة لهؤلاء الناس واجبة؛ لأن هذا الدين لكل الناس، والدعوة من هؤلاء إذا أسلموا واجبة؛ لأنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
3- على كل أحد مسؤولية نشر الدين كلٌّ بحسبه، وأقل نصاب الدعوة حِفظ آية أو سنة، فمن حفظها لزمه إبلاغها.
4- المسلمون قسمان:
1- عالم يبين الحق بنفسه، ويدعو الناس إلى اتباعه، كما قال مؤمن آل فرعون: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ [38] يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [39]} [غافر: 38- 39].
2- مسلم لكنه غير عالم، فهذا يدعو الناس إلى اتباع الرسل والعلماء، كما قال الله عزوجل عن صاحب يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [20] اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ [21]} [يس: 20- 21].
فالكل يقوم بالدعوة إلى الله:
العالم يبين الحق بنفسه، وغير العالم يرشد الناس إلى اتباع الرسل والعلماء الذين هم أعرف الخلق بالله.
5- الدعوة واجبة على كل أحد كلٌّ بحسبه؛ لأنها أَمْر الله، كما أن الصلاة واجبة على كل أحد؛ لأنها أمر الله.
وكانت العبادة والدعوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم واجبة على كل الأمة، ثم صارت العبادة على الأمة، والدعوة على بعض أفراد الأمة، فضعفت العبادة، وبدأ الناس يخرجون من الدين، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُح به أولها.
فالعبادة والدعوة أمران واجبان على كل واحد من هذه الأمة بعينه:
1- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [77]} [الحج: 77].
2- وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [125]} [النحل: 125].
6- الدعوة إلى الله مسؤولية كل الأمة، وحاجة كل فرد من الأمة، فبها تحصل الهداية، ويزيد الإيمان، ويزيد المؤمنون.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [69]} [العنكبوت: 69].
7- أمر الله المسلمين جميعاً بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله في الدعوة والعبادة والأخلاق وغيرها.
1- قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [21]} [الأحزاب: 21].
2- وقال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [158]} [الأعراف: 158].
8- الله سبحانه اجتبي هذه الأمة من بين الأمم، وتوَّجها بتاج الأنبياء، وهو الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [110]} [آل عمران: 110].
9- هناك فاصل زمني بين الإيمان ونزول الأحكام، وليس هناك فاصل بين الإيمان والدعوة إلى الله؛ لأن هذه الأمة مبعوثة كالأنبياء للدعوة إلى الله، وقد قام أوائل الصحابة رضي الله عنهم بالدعوة من أول يوم، وكان كل نبي يعلِّم أمته الإيمان ثم الأحكام، وأمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلِّم أمته الإيمان، ثم الدعوة، ثم الأحكام التي نزلت في المدينة؛ لأن هذه الأمة مبعوثة كالأنبياء.
10- الله عز وجل وكَّلنا بنشر الحق في العالم، كما وكَّل الشمس بالإنارة، ووكَّل السحب بتوزيع الماء، ووكَّل الأرض بالإنبات.
وهذه الثلاثة أدت الأمانة، فاستقامت الحياة الدنيا للخلق.
ونحن إذا أدينا أمانة الدعوة إلى الله للبشرية استقامت دنياهم وأخراهم.
فالنور للعالم كله، والماء للعالم كله، والنبات للعالم كله، والحق للعالم كله، والقرآن للعالم كله، والإسلام للعالم كله.
قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [52]} [إبراهيم: 52].

.فضائل الدعوة إلى الله:

1- قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [33]} [فصلت: 33].
2- وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [104]} [آل عمران: 104].
3- وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [69]} [العنكبوت: 69].
4- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم.
5- وَعَنْ سَهْل بن سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ يَوْمَ خَيْبَرَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ الله فِيهِ، فَوَالله لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». متفق عليه.

.ثمار الدعوة إلى الله:

يكرم الله عز وجل كل من يقوم بالدعوة إلى الله على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم بالأجور العظيمة، والثمار الكبيرة، فبسبب الدعوة تحصل للداعي الهداية والاستقامة، وزيادة الإيمان، وزيادة العمل الصالح، وحسن العمل، وتنوع العمل، وكثرة العمل، وكمال اليقين، ويحصل للداعي من الأجر بقدر مَنْ دعاه من الناس، وله مثل أجر من اهتدى بسببه.
ويكرم الله كل داع إلى الله بأمور، منها:
أن الله يعزه وإن لم تكن عنده أسباب العزة كما أعز بلالاً وسلمان رضي الله عنهما.
ويجعل الله أعمال الدين كلها محبوبة لديه، يقوم بها، ويدعو إليها.
ويجعل الله له محبة في قلوب الخلق وهيبة وإجلالاً.
ويطوي بساط الباطل من حوله، ويؤيده بنُصرة غيبية من عنده، ويستجيب دعاءه، ويرزقه الجنة في الآخرة.
فالدعوة إلى الله جمعت المحاسن كلها، والأجور كلها، والفضائل كلها.
ولأهمية الدعوة إلى الله قام الله بها، وشرَّف رسله بالقيام بها، وامتن على هذه الأمة حين كلفهم بها.
1- قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [25]} [يونس: 25].
2- وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [108]} [يوسف: 108].
3- وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [33]} [فصلت: 33].

.أصول الدعوة إلى الله:

كما أن للعبادة أصولاً فكذلك للدعوة أصول أهمها:
1- إخلاص العمل لله، والدعوة إلى الله على طريقة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- دعوة الناس جميعاً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، مع حسن القول، وحسن العمل، وإنزال الناس منازلهم.
3- دعوة الناس إلى الإسلام في كل مكان، في المدن والقرى والأسواق والبيوت وغيرها.
4- القيام بالدعوة إلى الله في كل وقت من ليل أو نهار، فالعبادة كالصلاة والصيام لها أوقات، لكن الدعوة مشروعة في كل وقت، وفي كل مكان.
5- القيام بالدعوة في جميع الأحوال، حال الأمن والخوف، وحال الشدة والرخاء، وحال الغنى والفقر.. وهكذا.
6- عدم أخذ الأجر على الدعوة؛ لأن أجر الداعي على الله.
7- نقوم بالدعوة بصفة الإحسان، ولا نسأل الناس أجراً، كالشمس طبعها النور والعموم وتنير للناس بلا أجر.
8- يكون الداعي قدوة حسنة للناس في سيرته وسريرته وصورته.
9- عرض الدين على الناس بالرفق واللين والرحمة والتواضع، مع الدعاء لهم بالهداية، وعدم احتقار أحد من الناس، ونتحمل منهم كل أذى في سبيل الله.
ومن أعظم أصول الدعوة:
دعوة الناس إلى التوحيد والإيمان وعبادة الله وحده لا شريك له، ونفي تأثير المشاهدات، وتصديق الغيبيات، ونفي المخلوق، وإثبات الخالق، وتجاوز الخلق إلى الخالق، والصور إلى المصور.
ونفي جميع الطرق، وإثبات طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال.
وتوجيه الناس من الدنيا إلى الآخرة.. ومن العادات إلى السنن النبوية.. ومن تكميل الأموال والشهوات إلى تكميل الأيمان والأعمال الصالحة.. ومن محبوبات النفس إلى محبوبات الرب.. ومن جهد غير الرسول إلى جهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإذا قام الإنسان بالدعوة إلى الله بهذه الأصول تعرض للابتلاء والأذى، فعليه أن يصبر ويعفو ويستغفر، ويلين ولا يكون فظاً غليظاً؛ لئلا ينفِّر الناس.
1- قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [125]} [النحل: 125].
2- وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [159]} [آل عمران: 159].
3- وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ [60]} [الروم: 60].

.حكمة بعثة الأنبياء والرسل:

بعث الله الأنبياء والرسل بثلاثة أشياء:
بالدعوة إلى الله.. وتعريف الطريق الموصل إليه، وبيان ما للناس بعد القدوم عليه.
فالأول بيان التوحيد والإيمان.. والثاني بيان أحكام الشرع.
والثالث بيان اليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب، والجنة والنار.
1- الدعوة إلى الله تكون أولاً بتعريف الناس بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وكمال عظمته وقدرته، وجميل إحسانه إلى خلقه.
فنبين للناس أن الله هو العظيم وحده ليعظموه، وأنه الكبير وحده ليكبروه، وأنه القوي وحده ليخافوه، وأنه الكريم وحده ليحبوه، وأنه المعطي وحده ليسألوه، وأن خزائنه مملؤة ليقفوا ببابه وحده.. وهكذا.
ونبين أنه سبحانه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، وهو المالك وما سواه مملوك، وهو الرازق وما سواه مرزوق، وهو الغني وما سواه فقير إليه.. وهكذا.
ونبين أن الله وحده بيده كل شيء، وكل ما سواه ليس بيده شيء، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وهو على كل شيء قدير.
ونبين للناس أن الله وحده هو المستحق للعبادة وحده دون سواه.
وإذا عرف الناس كمال أسماء الله وصفاته، وكمال عظمته وقدرته، وسعة رحمته وعلمه، وعظمة آياته ومخلوقاته، وجزيل نعمه، آمنوا بالله وعظموه وأحبوه وأقبلوا على طاعته وعبادته.
ثم نبين بقية أركان الإيمان كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل ليقوى التصديق بالغيب.
فهذه أول المراتب وأعظمها وأحسنها، وأعلاها.
1- قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [33]} [فصلت: 33].
2- وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [22] هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [23] هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [24]} [الحشر: 22- 24].
3- وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [19]} [محمد: 19].
2- ثم يلي الدعوة إلى الله الدعوة لبيان اليوم الآخر وما فيه من البعث والحشر، والصراط والميزان، والجنة والنار؛ ليرغَب الناس في الإيمان والطاعات، ويتركوا الكفر والمعاصي، ويتنافسوا في الأعمال الصالحة.
1- قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [14] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [15] وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [16]} [الروم: 14- 16].
2- وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [72]} [التوبة: 72].
3- وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [68]} [التوبة: 68].
3- ثم يلي ذلك الدعوة لبيان أحكام الدين وشرائعه، ببيان الحلال والحرام، والواجبات والسنن، والعبادات والمعاملات، والحقوق والحدود.
وهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة.
ففي مكة كانت الدعوة إلى الله وإلى اليوم الآخر، ومكارم الأخلاق، وبيان أحوال الرسل مع أممهم.
وفي المدينة أكمل الله الدين بالأحكام الشرعية، فتقبَّلها من آمن بالله واليوم الآخر، وشَرِق بها الكافر والمنافق، ثم دخل الناس في دين الله أفواجاً، وكمل الدين.
1- قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
2- وقال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [1] وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [2] فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [3]} [النصر:1- 3].

.كيفية الدعوة إلى الله:

يَعْرض الداعي نفسه على الناس وما يحمله من الحق بما يلي:
الهدوء والتدرج.. والتيسير والتبشير.. والرفق واللين.. والمحبة والرحمة.. والبساطة والإلفة.. والدعوة والدعاء.. وطلب رضا الله.. والعزة والتواضع.. والصبر والحلم.. وحسن الظن، لأن سوء الظن يولِّد تسعة أضرار كلها شرور، وهي التجسس، ثم التحسس، ثم الغيبة، ثم النميمة، ثم الشحناء، ثم البغضاء، ثم التقاطع، ثم التدابر.
ونؤلف قلوب الناس بالثناء عليهم، وذكر محاسنهم، وإنزالهم منازلهم، ونحترمهم ونوقرهم، ونكرمهم ونهدي إليهم ما يحبون مما أحل الله.
وبذلك يحبوننا، ويسمعون كلامنا، ويتأثرون بحسن أخلاقنا، ويرغبون في ديننا، ويدخلون في رحمة الله.
ثم نبين لهم عظمة الله، وعظمة أسمائه وصفاته ليعظموه.
ثم نبين كثرة نعمه، وجميل إحسانه إلى عباده، خاصة بهذا الدين؛ ليشكروه ويطيعوه ليزيدهم من فضله.
ثم نطلب منهم توحيد الله بالعبادة والخَلْق والأسماء والصفات، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع، فلا معبود بحق إلا الله، ولا متبوع بحق إلا رسول الله؟.
ثم نبين حاجة الناس إلى ربهم، وحاجتهم للدين، ليسعدوا في الدنيا والآخرة.
ثم نبين فضائل الإيمان، وفضائل الأخلاق، وفضائل الأعمال الصالحة.
ثم نبين لهم ما أعد الله للمؤمنين من الجنة وما فيها من النعيم المقيم، وما أعد الله للكفار من النار وما فيها من العذاب.
وإذا عرف الناس ذلك جاءت عندهم الرغبة في الدين، والعمل بالدين، والدعوة إلى الدين، وهان عليهم الصبر على ذلك.
ونبذل كل ما نملك من أجل نشر الدين، وإعلاء كلمة الله، فنضحي من أجل نشر الحق بأنفسنا، وأموالنا، وأوقاتنا، وأهلنا، وديارنا، وشهواتنا، وبكل ما نملك كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أظهر الله دينه، وبذلك نحصل على رضوان الله، والسعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة.
1- قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [100]} [التوبة: 100].
2- وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [88] أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [89]} [التوبة: 88- 89].
3- وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [159]} [آل عمران: 159].
4- وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [102]} [الأنعام: 102].
5- وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [21]} [الأحزاب: 21].